. 17 سبتمبر, 2022, 10:02 AM
ترجمة
الشيخ عبد الظاهر بن محمد نور الدين الفقيه أبو السمح
نشأته وبداية طلب العلم:
ولد رحمه الله في مصر ببلدة "تلّين" التابعة لمديرية
الشرقية بمصر وذلك عام 1300هـ، وعائلته معروفة بآل الفقيه وهي عائلة معروفة
بالصلاح، وكان والده صاحب كُتّاب في بلدته، فنشأ في هذه العائلة المحافظة على
الأخلاق الحميدة، والخصال الحسنة، كما تربَّى على حب العلم وأهله، حفظ القرآن على
والده وعمره لم يتجاوز التاسعة، والتحق بالأزهر الشريف فحفظ الكثير من المتون في
الحديث والفقه والتفسير، كما أخذ القراءات السبع وأتقنها، وكان يحضر للعلماء والمثقفين
في بلده فكان وهو صغير يحضر مجلس الشيخ محمد عبده، ثم تتلمذ على الشيخ محمد
الشنقيطي فدله على كتب السلف ورغبه فيها وحببه إليها، فعكف رحمه الله على كتب شيخ
الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهما، ومن مشايخه أيضا محمد رشيد رضا والشيخ
عبدالله بن حسن آل الشيخ، عمل رحمه الله فترة من الزمن بمدرسة ابتدائية بالسويس
إلا أنه أراد الاستزادة من العلم، فعاد إلى القاهرة والتحق بمدرسة دار الدعوة
والإرشاد ولازم الشيخ رشيد رضا.
محنته في الإسكندرية:
بعد أن تخرج الشيخ من دار الدعوة عُيِّن مدرِّسًا بالإسكندرية، فقام
يدعو إلى الله فيها، ويُحذر من التقرب للأضرحة والقبور، وقد كان متفشيًا ذلك في
أهل الإسكندرية، كما أسَّس جماعة أنصار السنة، ولما أظهر تلك الدعوة المتوافقة مع
الفطرة الإنسانية والمتمسكة بالكتاب والسنة تبعه كثيرون، وقلّ الحضور إلى الأضرحة
والقبور، وأغاظ ذلك جمعًا من الناس منهم صوفية الإسكندرية فألّبوا عليه حاكم تلك
المنطقة، وحصلت قصة عظيمة في إيذائه ومحاكمته، وقد ضرب في المسجد الذي كان يصلي
فيه إمامًا ويخطب فيه حتى أنه استخلف محمد تقي الدين الهلالي على الصلاة بالناس،
وقد أراد خصومه إغلاق المسجد فما استطاعوا، وخرج الشيخ من كل ذلك منتصرًا بفضل
الله بعد أن أوذي وطرد إلا أن عناية الله كانت تحفه فسكنت الفتنة وعاد إلى المسجد
إماما وخطيبا.
قدومه مكة وتعيينه إمامًا وخطيبًا
للمسجد الحرام:
بعد أن ذاع صيته وعرف الناس فضله وعلمه طلبه الملك عبدالعزيز آل سعود
رحمه الله، فقدم إلى مكة المكرمة فأكرمه الملك عبدالعزيز أيما إكرام وقربه وعينه إمامًا
وخطيبًا للمسجد الحرام عام 1345هـ، ثم في عام 1352هـ كتب الشيخ رحمه الله إلى
الملك عبدالعزيز كتابًا يطلب فيه الإذن لتأسيس مدرسة تعنى بالحديث الشريف فكان له
ما أراد وافتتح دار الحديث بمكة المكرمة، وأصبح مديرًا لها، وقد بقي مديرًا للدار
ثمانية عشر عامًا قائمًا بعمله خير قيام، موجهًا الطلاب إلى العلم والكتاب والسنة،
غارسًا فيهم حب الاتباع والتحذير من البدع، موجهًا إياهم إلى العمل بالكتاب
والسنة، وقد كان سنده الأكبر في دعوته صهره الشيخ محمد عبدالرزاق حمزة، فكان خير
معين لأداء رسالته، ونشر الدعوة إلى الله وغرس ذلك في نفوس الطلاب، وقد تتلمذ عليه
طلاب كثيرون منهم فضيلة الشيخ عبدالله خياط، يقول عنه (تشرفت بمعرفته وحظيت
بالتتلمذ عليه أمدًا طويلًا في المسجد الحرام، قرأت عليه كتاب مشكاة المصابيح- كما
كنت أدرس عليه في داره كتب العقيدة ككتاب التوسل والوسيلة لابن تيمية وكتاب الجواب
الكافي وكتاب الواسطية وجملة من كتب العقيدة؛ فكان يثلج صدري ويروي ظمأ نفسي
المتعطشة للمزيد من التعرف إلى العقيدة السلفية- كنت أذهب إليه ضحوة كل يوم فأجد
من فضيلته إلى جانب الإفادة من علمه وخلقه التجارب العظيمة التي مرت عليه والمتاعب
التي لقيها في سبيل الدعوة إلى الله في بلده... ومما درست عليه في اللغة العربية
ألفية ابن مالك، وكان يحفظها عن ظهر قلب يقرأ المنظومة ثم الشرح لابن عقيل ويكثر
من الأمثلة لتطبيق القواعد، وهذا ما جعلني أبتعد عن اللحن في القراءة لحفظي الكثير
من الإعراب مما أفدته منه).
كان رحمه الله صالحا زاهدا، عرف بالتقوى ومحبة الخير وأهل الخير،
يقول عنه الشيخ إبراهيم بن عبيد: (كان رجلاً عاقلاً أديبًا ذا بشاشة وتواضع
رزينًا، له لحية كثّة بيضاء، ممتلئ الجسم، بهيّ المنظر، كان لخطبته وقراءته وقع في
النفوس)، ويقول عنه الشيخ تقي الدين الهلالي المغربي: ( كنت أتتبع جميع ما نشره
وردود مناوئيه من دعاة الخرافة والإلحاد وسمعت عنه الكثير بعد قدومه إلى مكة، ولما
قدمت مكة المكرمة عام 1355هـ كان أول ما خطر ببالي مقابلة الشيخ عبد الظاهر أبو
السمح فزرته في مدرسة دار الحديث فرأيت سيما الصلاح والتقوى بادية في حديثه
ومجالسه، وصليت خلفه فكان يبكي في خطبه ويبكي من خلفه، وكان يحافظ على تلاوة
القرآن الكريم في حصوة باب الصفا بصوته الرخيم وقراءته مرتلة، وكان الحجاج
يتزاحمون على الصف الأول ليسمعوا صوت الشيخ قبل أن يكون في المسجد مكبرات للصوت).
من شعره:
كما كان رحمه الله ذا قلم سيال عذب، كان يكتب الشعر العربي ومن
أبياته:
حمدا لربي إذ هداني منة منه وكنت على شفا النيران
والله لو أن الجوارح كلها شكرتك ياربي مدى الأزمان
ماكنت إلا عاجزا ومقصرا في جنب شكرك صاحب الاحسان
وفاته:
في عام 1370هـ انتابه مرض شديد نقل على إثره إلى مستشفى الجيزة وتوفي
هناك رحمه الله، وفقدت الأمة علما من أعلامها البارزين، وقد أرسل الملك عبدالعزيز
برقية لعزائه واستضافة عائلته في الحجاز لما للشيخ من مكانة عظيمة.
ثناء العلماء عليه:
وقد قال عنه الشيخ محمد بن عبد الرزاق حمزة: (فقد الإسلام داعية من
دعاته، وفقدت السنة بطلاً من أنصارها، وفقد المسجد الحرام إمامًا كان أهلاً
لإمامته، وفقد القرآن المجيد وعاء من أوعيته، ومزمارًا من مزامير آل داود، مرتلاً
لآياته بصوته الرخيم أمام وجه الكعبة ربع قرن من الزمان، وفقدت العبادة الخالصة
تقيًّا من تقاة المؤمنين)، وقال عنه الشيخ عبدالله خياط رحمه الله وهو أحد
تلاميذه: (لقد أعطي رحمه الله موهبة لا في الخطابة والإلقاء البارع المؤثر ولا في
تلاوة القرآن والتدريس فحسب بل صوته الجهوري الذي كان يبلغ بناية وزارة المالية في
مكة بأجياد، دون أن يكون ثمة مكبرات للصوت، إن هي إلا نفحة من الله وفضل وهبه
إياه)، ويقول عنه الشيخ علي عامر عقلان: (رحم الله شيخنا لقد كان من سماته الحميدة
ومآثره الحسنة التي يذكرها له تلاميذه ومحبوه دماثة أخلاقه وملاطفته لأبنائه
الطلبة وتفقد أحوالهم والسعي لما فيه إسعادهم وإدخال السرور عليهم ومواساتهم سرا
وجهرا).
مؤلفاته:
كان الشيخ رحمه الله يملك قلما بارعا وكان قد وظفه في نصرة الحق،
والدفاع عن العقيدة الصحيحة، وقد تميزت كتبه باحتوائها على الأدلة من الكتاب
والسنة والرد على شبهات المخالفين بالأدلة، كما أنه كان ينتهج منهج إيراد
الإلزامات والسؤالات على المخالفين، ومن كتبه:
1/ الرسالة المكية في الرد على الرسالة الرملية. وبذيلها القصيدة
الرملية في انتصار أهل السنة المحمدية على أهل البدع القبورية
قرر فيها الشيخ التوحيد بأنواعه الثلاثة، والشفاعة وأقسامها، والتوسل
وأنواعه، ومعنى شهادة التوحيد، طبعت بمطبعة المنار بمصر عام 1349هـ.
2/ حياة القلوب بدعاء علاّم الغيوب: عرض فيه المؤلف رحمه الله أنواع
التوحيد الثلاثة، ومعنى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وموضوعات
متفرقة، مطبوع بدار الطباعة والنشر الإسلامي 1994م.
3/ القصيدة النونية في بيان الوسيلتين الإسلامية والشركية وأنواع
التوحيد: وهي عبارة عن نظم في أنواع التوحيد الثلاثة، والتوسل وأنواعه، وبيان
مفهوم العبادة.
4/ الأولياء والكرامات: عرف فيه الكرامة لغة واصطلاحًا، وبين ثبوتها
وشروطها.
6- مناسك الحج وفق السنة المحمدية. وهو مطبوع في مطبعة مكة للطباعة والنشر بتحقيق محمد بن أحمد السيد أحمد([1]) .
مصادر ترجمته:
1/ أئمة الحرمين لعبدالله بن أحمد آل علاف الغامدي، دار الطرفين للنشر
والتوزيع، الطبعة الثانية 1436هـ (222-229)
2/ أئمة المسجد الحرام ومؤذنوه في العهد السعودي لعبدالله بن سعيد
الزهراني، الطبعة الرابعة 1426هـ (40-41)
3/ تاريخ أمة في سير أئمة د. صالح بن عبد الله بن محمد بن حميد (3/
1175_1176)
4/ الدعوة إلى الله في أقطار مختلفة لتقي الدين الهلالي، دار الطباعة
الحديثة (8-12)
5/ المبتدأ والخبر لعلماء في القرن الرابع عشر وبعض تلاميذهم،
لإبراهيم بن محمد بن ناصر السيف، دار العاصمة، الطبعة الأولى 1426هـ. (2/ 371-378)
6/ المسجد الحرام في قلب الملك عبدالعزيز للشريف عبدالله بن منسي
العبدلي 1419هـ (187-194)
7/ الأعلام للزركلي. دار العلم للملايين الطبعة الخامسة عشر 2002م
(4/ 11)
8/ وسام الكرم في تراجم أئمة وخطباء الحرم ليوسف بن محمد بن داخل
الصبحي، دار البشائر الإسلامية، الطبعة الأولى 1426هـ (251-252)
9/ سير وتراجم لعمر عبدالجبار، دار تهامة، الطبعة الثالثة 1403هـ
(227-228).
10/ علماء نجد خلال ثمانية قرون لعبدالله بن عبدالرحمن البسام، دار
العاصمة، الطبعة الثانية 1419هـ. (1/ 235)
11/ معجم المؤلفين لعمر رضا كحالة، مكتبة المثنى دار إحياء التراث
العربي. (2/ 155)
12/ موقع مداد http://midad.com/scholar/548/%D8%B9%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%84%D8%B8%D8%A7%D9%87%D8%B1-%D8%A3%D8%A8%D9%88-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%85%D8%AD
13/ مقال لرياض بن عبدالمحسن بعنوان منهجية الشيخ عبدالظاهر أبو
السمح في مؤلفاته العقدية
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=80987