إعداد الفريق العلمي لبرنامج محكمات . 31 أغسطس, 2022, 2:51 PM
إعداد الفريق العلمي لبرنامج محكمات
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد أنزل الله -تبارك وتعالى- على نبيَّه محمَّد -صلى الله عليه وسلم- القرآن العظيم، ليُنْذِر به ويكون حُجَّة على العالمين، وأوحى إليه من هدايات السُّنة النبويَّة القوليَّة والفعليَّة ما جاء مُبَيِّنًا لمعاني القرآن ومُفصِّلاً لأحكامه، ولذا فالقرآن والسُّنَّة لا ينفكَّان، ولا يكتمل التشريع إلا بالأخذ بهما معًا، فقد جاءت السُّنَّة النبوية مُبيِّنةً للقرآن وشارحةً لأحكامه، وموضِّحةً لمعانيه، ومُفسِّرةً لمُبْهَمه، ومُقيِّدةً لمُطْلَقه، ومُفصِّلةً لمُجْمَله؛ فهي من القرآن بمنزلة الشَّرح له، تُفصِّل مقاصده وتُتمِّم أحكامه.
وقد تلقَّى الصحابة الكرام -رضي الله عنهم- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- القرآن الكريم والأحاديث النبوية، ورأوا بأعينهم التَّطبيق العمليّ لآيات الأحكام، وعاصروا تَنَزُّل الوحي، وشاهدوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُصلِّي، ويصوم ويُزكّي ويحجّ، ويجاهد، ويُعلِّم..، وكانوا يحرصون على التأسِّي والاقتداء بالسُّنَّة؛ فهذا جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- يوضّح أسباب مجيء عددٍ كبيرٍ من الصحابة مِن جميع الآفاق للحَجّ مع النبي -صلى الله عليه وسلم- انطلاقًا من المدينة النبوية، فقال: "ورسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ- بينَ أظهُرِنا، وعلَيهِ ينزلُ القرآنُ، وَهوَ يعلمُ تأويلَهُ، فما عمِلَ بِهِ من شيءٍ، عمِلْنا بِهِ"([1]).
واتَّضحت معالم الشريعة الإسلامية أمام أعين الصحابة واضحةً جليةً، حتى قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مخاطبًا إياهم: "قدْ تركتُكم على البيضاءِ ليلُها كنهارِها، لا يزيغُ عنها بعدي إلّا هالِكٌ، ومَنْ يَعِشْ منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعلَيْكُم بما عرَفْتُم مِنْ سُنَّتِي، وسُنَّةِ الخلفاءِ الراشدينَ المهديينَ، عضُّوا عليها بالنواجِذِ.."([2]).
وانتشر الصحابة في الآفاق، وسافروا إلى الأمصار، ليُعلِّموا العلم، ويوضحوا السُّنة؛ فنهل التابعون لهم بإحسان من الصحابة الكرام، ورأوا تطبيقهم لأحكام الشريعة، فتعلموا منهم، وأخذوا بهديهم، وسلكوا طريقهم، ثم تتابعت القرون المفضَّلة على أخذ الدِّين من نَبْعَيْه الصَّافيين؛ القرآن العظيم وسُنَّة النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ وجاء من بعدهم علماء ربانيُّون جمعوا السُّنة النبوية في كتب الصحاح والسنن والمسانيد، وجمعوا أقوال الصحابة والتابعين، ومنها استنبطوا وصاغوا قواعد شرعية في أصول التلقي والاتباع والطاعة وعدم الابتداع.
ومع ظهور الأئمة الأربعة الأعلام ومدارسهم الفقهية وغيرهم من التابعين بإحسان؛ استبانت معالم المنهج القويم القائم على اتّباع الكتاب والسُّنّة بفهم سلف الأمة، وأصبح هذا المنهج أصلاً مهمًّا في التلقي والاتباع والاستدلال في العقيدة والسلوك والسير إلى الله -تعالى-.
لماذا اتباع منهج السلف في العلم والعمل؟
يجب على الأُمّة اتّباع الكتاب والسُّنة بفَهْم سلف الأمة، وذلك لأنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- بيَّن أنَّ خير قرون هذه الأمة وأفضلها هي القرون الأولى وهي أقربها إليه، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم.. ([3])، وأوضح في حديث الافتراق أن هذه الأمة تفترق على ثلاث وسبعين ملة، كلها في النار إلا ملة واحدة، قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: "ما أنا عليه وأصحابي"([4]).
وهذا يَدُلّ على حُجّية فَهْم السَّلف، وأنه عصمة عند الاختلاف، وما أحسن قول عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "مَن كانَ مُستنًّا؛ فليستَنَّ بمَن قَد ماتَ؛ فإنَّ الحيَّ لا تُؤمَنُ علَيهِ الفِتنةُ، أولئِكَ أصحابُ محمَّدٍ -صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ- كانوا أفضلَ هذِهِ الأمَّةِ، أبرَّها قلوبًا، وأعمقَها عِلمًا، وأقلَّها تَكَلُّفًا، اختارَهُمُ اللَّهُ لِصُحبةِ نبيِّهِ، ولإقامةِ دينِهِ؛ فاعرِفوا لَهُم فضلَهُم، واتَّبعوا علَى آثارِهِم، وتمسَّكوا بما استطعتُمْ مِن أخلاقِهِم وسِيَرِهِم؛ فإنَّهم كانوا علَى الهُدى المستقيمِ"([5]).
وقد تواتر عن الأئمة الأعلام الوصية بلزوم منهج السَّلف وعدم الحيدة عنه، فقد أوصى الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- باتباع منهج السلف في التلقي والاتباع فقال: "قِفْ حَيْثُ وقَفَ القوم، فَإنَّهُم عَنْ عِلْم وقَفوا، وببَصر نافذ كفُّوا، وهُم عَلى كَشْفِها كانوا أقْوى، وبالفضْلِ لَو كان فيها أحْرى، فلئِن قُلتم: حَدَثَ بَعدَهُم؛ فما أحْدَثهُ إلا مَن خالفَ هَدْيَهُم، ورَغِبَ عَنْ سُنّتِهم، ولَقَدْ وصفوا منه ما يَشفي، وتَكلَّموا منهُ بما يَكْفي، فما فوقهُم مُحَسر وما دُونهُم مُقصر، لقد قصرَ عَنْهُم قَومٌ فَجفَوْا وتجاوزهُم آخرون فَغلَوْا، وإنهم فيما بين ذلك لَعَلى هُدى مُستقَيم"([6]).
وقال الإمام الأوزاعي -رحمه الله-: "عَلَيْكَ بآثارِ مَن سَلف وإنْ رَفَضَكَ الناس، وإيّاك وآراءَ الرجال وإنْ زَخْرَفُوها لكَ بالقَول؛ فإنَ الأمْرَ يَنْجلي وأنتَ عَلى طريقٍ مُستقيم"([7]).
وقال الإمام أحمد -رحمه الله-: "إيَّاك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيه إمام"([8]). وقال العلامة بكرُ أبو زيد -رحمه الله- تعليقًا على كلامِ الإمامِ أحمدَ: "أينَ هذا الهديُ السَّنيُّ المقتصِدُ في السنةِ منَ الذينَ يسْتظهرونَ سننًا وهديًا في عصرِنا لم تكنْ معروفةً في عمرِ التاريخِ الإسلاميِّ؟! ثمَّ هم يجالدون عليها، ثم يتديَّنون ببغضِ منْ لم يَتَسَنَّنْ بها، واللهُ يعلمُ ما في أَنفسكم فاحذروه"([9]).
ومما يؤكد أهمية اتباع منهجِ السلفِ في فهمِ النصوصِ والاستنباطِ منها، قول الإمام الشاطبيّ -رحمهُ الله-: «يجبُ على كلِّ ناظرٍ في الدليلِ الشرعيِّ مراعاةُ ما فهمَ منه الأوَّلونَ [أي: السلف]، وما كانوا عليه في العملِ به، فهو أحرى بالصوابِ، وأقومُ في العلمِ والعملِ»([10]). وقال أيضًا: «الحذرَ الحذرَ من مخالفةِ الأولينَ، فلو كانَ ثَمَّ فضلٌ ما، لكانَ الأوَّلونَ أحقَّ بهِ»([11]).
ومفاد هذه الأقوال: وجوب اتباع سبيل السلف الصالحين، مع الحذر من مخالفة العلماء السابقين، وعدم خَرْق إجماعهم فيما اتفقُوا عليه، ولا إحداث أقوال تنقضُ خلافَهم فيما اختلفوا فيه، مع الاجتهاد في الاستنباطِ من النصوصِ الشرعيةِ وَفْق فَهْمهم فيما لم يتكلموا فيه وفيما يستجد من مسائل ومستحدثات، اعتمادًا على مصادرهم في التلقي، وسلوك طرقهم في الاستدلال، ومناهجهم في الاستنباط.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "فدين الله مبنيّ على اتّباع كتاب الله، وسنة نبيه، وما اتفقت عليه الأُمَّة، فهذه الثلاثة هي المعصومة، وما تنازعت فيه الأمة ردوه إلى الله والرسول، وليس لأحد أن ينصب للأُمّة شخصًا يدعو إلى طريقته، يوالي عليها ويعادي، غير كلام الله ورسوله وما اجتمعت عليه الأمة، بل هذا من فعل أهل البدع الذين ينصبون لهم شخصًا أو كلامًا يُفرّقون به بين الأُمّة، يوالون به على ذلك الكلام أو تلك السنة ويعادون"([12]).
من هم السلف؟ وما المقصود بفهمهم؟
إنَّ لفظ "السلف" يشمل جمهور القرون الثلاثة المفضَّلة من الصحابة والتابعين وتابعيهم، حتى وفاة آخر تابعي سنة 221هـ، ويُقيِّد بعضهم اللفظ بقوله: "السلف الصالح"؛ ليُخْرِجَ مَن كان في زمنهم من المبتدعة، ونحوهم.
والانتساب للسلف الصالح من جهتين؛ من جهة التزام منهجهم في التلقي والاستدلال. ومن جهة القول بقولهم في أصول مسائل الدين العلمية والعملية التي تُميزهم عن أهل البدع.
وإن "فَهْم السَّلف" هو ما فهموه من مراد الله أو رسوله من النصوص الشرعية، وكل اعتقاد أو عمل تعبُّدي مُخالِف لفعل السَّلف؛ فهو مخالف لما فهموه من الأدلة الشرعية، وإذا اختلف الصحابة والتابعون يتخير العلماء من أقوالهم ما كان أقرب للكتاب والسُّنَّة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "وكل قول ينفرد به المتأخر عن المتقدمين، ولم يسبقه إليه أحد منهم، فإنه يكون خطأ"([13]).
وكان شيخ الإسلام ابن تيمية يقول في المسألة لا يعرف له فيها سلف: أقول بهذا القول إن سبقني إليه أحد. فبعد أن استعرض كلام الأئمة مسألة طواف الحائض، قال: "ومن قال: إن الطهارة فرض في الطواف، وشرط فيه؛ فليس كونها شرطًا فيه أعظم من كونها شرطًا في الصلاة. ومعلوم أن شروط الصلاة تسقط بالعجز، فسقوط شروط الطواف بالعجز أولى وأحرى. هذا هو الذي توجَّه عندي في هذه المسألة -أن تطوف وهي حائض- ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ولولا ضرورة الناس واحتياجهم إليها عملاً وعلمًا لما تجشّمت الكلام؛ حيث لم أجد فيها كلامًا لغيري؛ فإن الاجتهاد عند الضرورة مما أَمَرنا الله به"([14]).
ومن الأسباب التي تُوجِب اتِّباع منهج السَّلف في التلقي والاتباع أن الاختلاف في فَهْم النصوص أمرٌ وارد، ولذا وجب الرجوع لفهم السلف؛ لأسباب عديدة؛ منها: سلامة مصادر التلقي عندهم بدون شوائب، وسلامة منهجهم في فَهْم النصوص، وحرصهم عن السؤال عما أشكل عليهم، بالإضافة إلى سلامة فطرتهم وتحرّيهم للحق، وأنهم كانوا أحرص الناس على العمل بما سمعوه من كتاب الله وسنة رسوله، ومن جهة أخرى فإنهم كانوا أعلم الناس باللغة العربية.
ومن أدلة صحة فهم السلف للنصوص الشرعية وأنه فهم معصوم في مجمله أن استنباط الأحكام الشرعية من نصوص الوحيين يحتاج إلى ركنين مهمَّين؛ أولهما علم اللسان العربي، والآخر فهم مقاصد الشريعة؛ فأما الأول فمعلوم من غريزة الصحابة والتابعين، وأما الثاني فقد اكتسبوه من طول صُحْبتهم للرسول والصحابة، ومعرفتهم الأسباب التي ترتب عليها التشريع.
ولكن مع هذا يجوز استنباط معاني جديدة من النصوص الشرعية لم ينص عليه السلف الصالح؛ بشرط أن لا يتعارض هذا الاستنباط مع فهم السلف وأن يدل عليه اللسان العربي، خصوصًا في مستجدَّات القضايا العصرية التي لم يعرفها السلف، فَيُقَاس ما استجد على ما يشابهه من قضايا وأحكام قضى بها السلف الصالح.
فوائد الالتزام بفهم السلف:
من ثمرات اتباع منهج السلف الصالح في التلقي والاستدلال: معرفة مراد الله ومراد الرسول بوضوح، وحسم مادة الابتداع في الدين، والعصمة من التفرّق في الأصول والابتعاد عن الاختلاف المذموم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "وكان من أعظم ما أنعم الله به عليهم [أي: السلف الصالح] اعتصامهم بالكتاب والسُّنة، فكان من الأصول المتفق عليها بين الصحابة والتابعين لهم بإحسان أنه لا يقبل من أحد قط أن يُعارض القرآن، لا برأيه، ولا ذَوْقه، ولا معقوله، ولا قياسه، ولا وَجْده؛ فإنهم ثبت عنهم بالبراهين القطعيات والآيات البينات أن الرسول جاء بالهدى ودين الحق، وأن القرآن يهدي للتي هي أقوم"([15]).
ومن فوائد التمسك بمنهج السلف: الإيمان بجميع ما جاء عن الله -تعالى-، وما صح عن رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ فإن من سمات أهل السنة الإيمان بجميع ما جاء في الكتاب والسُّنة، فلا يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض كحال أهل الكتاب، ومن شابههم من أهل الأهواء، فأهل الحق يؤمنون بالله وبما جاء عن الله على مراد الله كما يؤمنون بالرسول -صلى الله عليه وسلم- على مراد الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
من هنا يجب العناية بفهم السلف الصالح ومنهجهم في التلقي الاستدلال؛ وهذا لا يعني الاقتصار على عباراتهم، أو الوقوف عند حرفية ألفاظهم، وإنما الفهم في كتاب الله وفق منهجهم مفتوح إلى يوم القيامة، كما قال عليُّ -رضي الله عنه- حين سأله أبو جحيفة: هل عندكم شيء من الوحي إلا ما في كتاب الله؟ قال: "لا والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، ما أعلمه إلا فهمًا يعطيه الله رجلاً في القرآن، وما في هذه الصحيفة... الحديث([16]).
ومن الأهمية بمكان ألا يكون الفهم الذي يتبنَّاه المعاصرون أو المتأخرون مؤديًا إلى إلغاء فهم السلف أو تحريفه أو مخالفته؛ لأنه يلزم من هذا لوازم باطلة، منها: تجهيل السلف، والادعاء بأن المعنى خفي عليهم.
إن مما يؤكد على أهمية وجوب اتباع منهج السلف في التلقي والاتباع في هذا العصر الحديث: كثرة المناهج المنحرفة في فَهْم القرآن والسُّنة، والتي تنطلق من أصول مخالفة لطريقة السلف الصالح، حتى كثرت البدع الاعتقادية والقولية والعملية.
وإن وحدة المسلمين بمعناها الشرعي الصحيح، تعني أن يعودوا جميعًا إلى الفهم الصحيح لكتاب الله وسُنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- بفهم السلف الصالح، وهذا هو السبيل الوحيد لوحدة الصف، وهذا الذي سلكه عبد الله بن عباس، وأقره عليه عليّ -رضي الله عنهم-.
إذ لَمَّا انحرف الخوارج عن فهم الصحابة للنصوص الشرعية، وأوغلوا تفريق الصف والغلو؛ ذهب ابن عباس -رضي الله عنهما- إلى الخوارج حتى يُعيدهم إلى الصفّ الإسلامي، فبيَّن لهم أولاً المنهج الصحيح قبل أن يناظرهم، فقال: "أرأيت إن قرأتُ عليكم من كتاب الله المُحْكَم، وحدّثتكم من سُنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- ما لا تُنْكِرُون..."؛ إذن هو الكتاب والسنة والعودة إليهما، وقد كان صرَّح لهم قبل ذلك بالفهم الذي ينبغي أن نفيء إليه إذا اختلفت أفهامنا؛ فقال: "جئت أحدّثكم عن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومِن عِند صِهْره، عليهم نَزل الوحي، وهم أعلمُ بتأويله"([17]). فما أفضل هذا المنهج! وما أشدّ وضوحه!، والمتمثل في الرجوع إلى الكتاب والسُّنة بفَهْم السلف الصالح.
خاتمة
إن اتباع منهج السلف في التلقي يُثْمِر سلامة المُعْتَقَد؛ بأنْ يكون اعتقاد المتأخرين موافقًا لاعتقاد سلف الأُمة في توحيد الله والإيمان به، وكذا يضمن سلامة فَهْم الكتاب والسُّنَّة في ضوء ما أصَّلهُ السَّلف من أُصول، وما قعَّدوهُ من قواعد شرعيَّة، وكذا يحول دون الابتداع في الدين، فيكون سلوك المسلم خالصًا لوجه الله تعالى، موافقًا لشرعه في العقائد والأعمال والأقوال.
ومجمل القول: إنَّه لا صلاحَ لآخر هذه الأُمَّة إلا بما صلح عليه أولها من التمسُّك بالكتاب والسُّنة وسلوك منهجهم في التلقّي والاتباع؛ وإن عصمة الأمة من الانحرافات الاعتقادية والسلوكية تتمثل في اتباع الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، وأن تنطلق الأُمّة في أحكامها وأخلاقها وآدابها ومعاملتها من هَدْي الكتاب والسُّنة بفَهْم سلف الأُمة، فذلك أهم معالم الصراط المستقيم والمنهج القويم الذي أمرنا الله بلزومه وعدم الحيدة عنه.
____________
المراجع:
1. البداية والنهاية ط هجر ٢٠/٤٣٣.
2. لمعة الاعتقاد لابن قدامة المقدسي (ص ٩) طبعة الحلبي.
3. الشريعة للآجري (١/٤٤٥).
4. سير أعلام النبلاء (11/296) ط. الرسالة.
5. المسودة في أصول الفقه (ص450) ط. دار الكتاب العربي.
6. المدخل المفصل (1/350).
7. الموافقات» (3/289) ط. دار ابن عفان.
8. مجموع الفتاوى (20/164).