قراءة في كتاب «المحكمات حوارات وتطبيقات»


                              إعداد فريق العلمي لبرنامج محكمات 

                                                                               بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

ينطلق هذا الكتاب من بيان أهمية المحكمات الشرعية والأسس والثوابت التي يستطيع المسلمون الاجتماع عليها، والتي تحول بينهم وبين المتشابهات التي وقع فيها كثير من الناس وصدتهم عن شريعة الله. ويجيب الكتاب عن سؤال مهم ألا وهو: هل تكفينا تلك الأسس والأركان والمبادئ المتفق عليها في معالجة مشكلات الأمة وتكوين الأمة المسلمة الواحدة التي تتبع الشريعة الواحدة وتلتزم بالعقيدة الصافية، وتقدم الإسلام للعالم عن طريق هذه الأصول المتفق عليها في رسالات الأنبياء عليهم السلام، والتي جددها الإسلام في الرسالة الإسلامية الخاتمة؛ رسالة نبينا محمد -عليه الصلاة والسلام-، أم أن الاختلاف في الآراء وغلبة الأهواء واتباع المتشابهات سيكون حجر عثرة في هذا الطريق؟

ويقرر الكتاب أن "المحكمات" والأسس والثوابت في الشريعة الإسلامية كافية لبناء الأمة واجتماعها وتصلح قاعدة للإصلاح في العالم أجمع بين المسلمين بعضهم بعضًا وهي الطريقة الأمثل للتعريف بالإسلام.

ولقد تضمن الكتاب: التعريف بالمحكمات، وبيان أصلها الشرعي والتطبيقات الشرعية لها، وبيان المفهوم، وتحرير مذاهب أهل العلم باختلاف تخصصاتهم، واستقراء التاريخ وعرض ما ورد في رسالات الأنبياء المؤكدة لهذا المنهج، وبيان ما دعا إليه رسول الإسلام محمد بن عبد الله -عليه الصلاة والسلام- وجدده وحاور البشرية حوله، وعرض بعض حوارات صحابته -رضي الله عنهم- مع الأمم الأخرى.

 وعرض الكتاب لأثر المحكمات في تحقيق وحدة الأمة، وفي تحقيق حفظ المجتمع، وكل ذلك بأسلوب موجز يتناسب مع عموم القراء، وأكثر المؤلف من ضرب الأمثلة والتطبيقات والقصص والحوارات التاريخية؛ سواء من قصص الأنبياء -عليهم السلام- أو ما وقع في بداية الدعوة الإسلامية؛ لإظهار أثر المحكمات في التعليم والتعريف بالإسلام.

وقد اشتمل هذا الكتاب على مقدمة تبين أهمية المحكمات عند علماء الشريعة وأثرها في وحدة الأمة وحفظ المجتمع، وأكد على حاجة البشرية للمحكمات، ثم عرج المؤلف على التعريف بالمحكمات لغةً واصطلاحًا، ثم ساق نماذج تطبيقية للمحكمات واقتصر على نماذج من القصص القرآني، وبين أثر ذلك على منهج الإصلاح والدعوة والتعليم وإقامة الحجة، مؤكدًا على خصائص المحكمات، وسرد بعض القصص حول حوارات الثقافات للتأكيد على أهمية المحكمات في الإصلاح والدعوة والتعليم والتربية، وأن منهج الدعوة في العهد النبوي، وأيضًا منهج الأنبياء -عليهم السلام- تميز بالعناية بالمحكمات والتأسيس عليها. ثم ناقش الكتاب حاجة البشرية إلى المحكمات، وعرض أمثلة تطبيقية لأوصاف المحكمات، ثم تطرق إلى المحكمات في قصص الأنبياء، وحوارات الثقافات حول المحكمات، ثم تناول المؤلف المحكمات وأثرها في وحدة الأمة، وأثر المحكمات في حفظ المجتمع، وختم الكتاب بخاتمة تلخيصية.

 

أهمية دراسة موضوع المحكمات:

وذكر المؤلف أهمية المحكمات التي دفعته لتحرير هذا الكتاب، ننتقي منها ما يلي:

1- إن «المحكمات» في الشريعة جاءت لتصحيح الاعتقاد في الله ورسله وكتبه وملائكته واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وتعليم أركان الإسلام، وحفظ الضروريات الخمس [الدين، النفس، العرض، العقل، والمال]، وبحفظها يحفظ المجتمع.

2- إن حفظ المجتمع مسؤولية أفراده، وهؤلاء الأفراد لا بد أن يكون لهم علم صحيح بتلك المحكمات حتى يشاركوا في حفظ الضروريات، ويتحملوا مسؤوليتهم على علم وبصيرة، ويحذروا من المتشابهات ومخالفة المحكمات، ويجب على كل مسلم تعلم أركان الإسلام والإيمان وما يحتاجه من الأحكام.

3- إننا أمام تشتت فكري وعقدي يعيشه العالم اليوم بسبب تعدد الثقافات البشرية واختلافها وقصورها، مما أدى إلى ظهور الإباحية والفوضوية في كثير من المجتمعات حيث أطلقت الحريات عن ضوابطها الشرعية، وانتشرت «الجريمة» في العالم وعجزت الثقافات والتشريعات البشرية عن رد الإنسان عن الشبهات والشهوات، فكان من المناسب التعريف «بالمحكمات» التي وضعها الشارع أصلًا وعاصمًا من ذلك كله، مع مراعاة اختلاف العصور والمجتمعات، والتعريف بخصائصها وبيان كيفية الاستفادة منها في مجال التعليم والدعوة.

4- إنه مع التسليم بأن «الاختلاف السائغ في الفقه الإسلامي» لم ينقطع في أي عصر من العصور؛ إلا أن الواجب تقديم الإسلام في التطبيق والدعوة من خلال المحكمات والأساسيات لا من خلال الاجتهادات والخلافات السائغة أو غير السائغة.

5- حاجة المسلمين في جميع بقاع الأرض إلى الوحدة، ومعرفة القاعدة الأساس التي تقوم عليها، وقد كثر اختلاف الطوائف في فهم الإسلام، وفي موقفهم على سبيل المثال من تطبيق الشريعة.

يقول المؤلف -حفظه الله-: «وإذا تأملنا في عصرنا الحاضر، وعصور مضت علمنا أن الأهواء التي أحدثها المشركون، وأحدثتها الفرق الضالة كانت سببًا في تفرق الأمة عن دينها وشرائعها، ومن أمثلة الأهواء التي تفرق ولا تجمع أفكار الخوارج والمعتزلة والباطنية... ومن أمثلة الغزو الفكري المعاصر الشيوعية والعلمانية والوجودية والحداثة الغربية المعارضة للإسلام، وهذه الأمثلة ليست للحصر، إنما لبيان خطر الخروج عن المحكمات واتباع المتشابهات، ومن الأخطار التي ترتبت على ذلك انتشار الفتن بين المسلمين، وظهور فتنة التشريع والتبديل عند الفرق قديمًا وحديثًا، وفتنة الدساتير المخالفة للشريعة عند المذاهب العلمانية، وكل ذلك كان له الأثر السيئ في حياة الأمة الإسلامية المعاصرة، ومن المعلوم أن هذه المشكلة ما زالت قائمة حتى هذه اللحظة، ولا يزال الجدل حول الدستور ومرجعية الشريعة للحكم والتحاكم، ولا يزال أقوام يولون وجوههم شطر الغرب يعارضون أن تكون الشريعة المصدر الوحيد للدستور، وهؤلاء بلا ريب هم المعارضون للثوابت والمحكمات، فلا بد من بيان محكمات الشريعة والمدافعة عنها أمام هذه الانحرافات».

6- وجوب الرجوع إلى الشريعة الإسلامية عند التنازع. وهذا محل إجماع بين المسلمين، ولا يتحقق ذلك إلا بترك المتشابهات والتزام المحكمات، ومنها الإيمان الجازم بحاكمية الشريعة الإسلامية على الدساتير والبشر والأوضاع.

ولهذا أوجب الله على جميع البشر التسليم المطلق لهذه الشريعة المباركة، مع اعتقاد أن كل حكم فيها هو العدل والحكمة والخير والرحمة، وأنه يجب الاحتكام إليها في جميع شؤون الحياة والإذعان لها؛ بحيث لا يقدم عليها منهج آخر؛ لأن كل ما جاءت به حجة علينا لا نعارضه بهوًى، ولا نغيره بشبهة، ولا نقدم عليه شيئًا من أحكام البشر.

7- ظهرت حاجة المسلمين اليوم بصورة جلية إلى التعاون للوقوف في وجه الفتن المعاصرة التي تتزعمها المذاهب الفكرية الأوروبية المعاصرة، وتروج لها أفكار الفرق الضالة، وهذا التعاون يجب أن يكون على أساس مشترك متين؛ ألا وهو المحكمات، لأنها أساس الوحدة في جميع المجالات وتبعد المسلمين والدعاة عن المتشابهات والاختلاف والفرقة، وهذا مقصد عظيم من مقاصد الشريعة.

ويلخص المؤلف إلى أن هذا الكتاب بمثابة دعوة للمسلمين -عامتهم وخاصتهم- للاجتماع على المحكمات ونصرتها والدفاع عنها وتبليغها للناس كافة، ومحاورة غير المسلمين حولها بالحكمة والموعظة الحسنة كما هو منهج القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية.

 

تعريف المحكمات وأبرز أمثلتها:

عرف المؤلف «المحكمات» لغةً وشرعًا وأكثر من الاستشهاد بأقوال اللغويين والمفسرين والفقهاء، ويمكن تلخيص تعريف «المحكمات» بأنها «النصوص الشرعية قطعية الثبوت واضحة الدلالة، الثابتة والمحفوظة في القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية، والتي تمثل الأصول الكلية والمرجع الأساس للأمة المسلمة في دينها».

ثم ذكر المؤلف –حفظه الله- أبرز المحكمات الشرعية التي جاءت في الشريعة الإسلامية، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر:

- وجوب عبادة الله وحده، وتوحيده وتفرده بالربوبية والأسماء والصفات والعبادة.

- تحريم الشرك بالله، وهو معنى الركن الأول من أركان الإسلام وهو شهادة «لا إله إلا الله، محمد رسول الله».

- أركان الإيمان ومنها: الإيمان باليوم الآخر، والإيمان بالغيب، وبالملائكة، وبالرسل جميعًا والقدر خيره وشرّه.

- أركان الإسلام: ومنها: وجوب الصلاة والزكاة والصيام والحج. وهذا هو الدين الحق الذي سمَّاه الله الإسلام ولهذا اجتمعت على هذه المحكمات الرسالات السماوية؛ فالدين الذي جاءت به من عند الله واحد، وله اسم واحد وهو الإسلام، وأتباعه هم المسلمون.

- ومن المحكمات التي اجتمعت عليها شرائع الأنبياء: تحريم الظلم والإثم والزنى والخمر والربا وسائر الفواحش ما ظهر منها وما بطن.

- ومن المحكمات التي يجب بيانها في هذا العصر: بيان عقيدة المسلمين في ختم النبوة وانقطاع الوحي بموت النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وصحة الشريعة وكمالها، ووجوب اتباعه -عليه الصلاة والسلام-، وأن الأنبياء إخوة لعلّات، وأن نبينا محمدًا -عليه السلام- رسول للناس كافة ومجدِّد للرسالات السماوية.

-  ومن المحكمات التي اجتمعت عليها شرائع الأنبياء: الأمر بالأخلاق الفاضلة.

- ومنها: حفظ الضروريات الخمس؛ وهي: حفظ الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال.

- ومن المحكمات أن الدين المشترك عند الأنبياء -عليهم السلام- يشمل الأمور التالية:

1- الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة، والخلوص من الشرك وأهله، ويُبْنَى على هذا تحديد مرجعية الشريعة الإسلامية مرجعًا وحيدًا للتشريع والدستور.

2- الإيمان باليوم الآخر والاستعداد للجزاء والحساب.

3- الأمر بإقامة أركان الإسلام بعد الشهادة بالتوحيد والرسالة، مثل الصلاة والصيام.

4- حفظ مقاصد الشريعة التي تتحقق بها مصالحهم الدنيوية والأخروية، والنهي عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق، وقتل النفس، والزنى والربا وسائر أنواع الظلم والاعتداء.

وفي هذا دلالة واضحة على أن كافة شرائع الأنبياء -عليهم السلام- تأمر بحفظ تلك الضروريات، وهي قاعدة عظيمة لحفظ حقوق الأفراد والمجتمعات العامة والخاصة، وقد جاء كل رسول داعيًا للتوحيد ناهيًا عن الشرك محافظًا على مكارم الأخلاق.

جدير بالذكر أن محكمات الشريعة والضروريات الخمس لا تقتصر على الأصول العقدية، بل شملت الأصول العملية، كما أنها هي العاصم للمجتمع الإسلامي؛ بحيث تكون حافظة للضروريات الخمس، وعليها مدار تحقيق المصالح الدنيوية والأخروية للمكلفين في جميع العصور، ولا يمكن أن تتحقق السلامة للفرد والمجتمع إلا بها، كما أنه لا تتحقق الوحدة بين المسلمين إلا بالاجتماع عليها والاعتصام بها.

 

المحكمات عند فقهاء الإسلام

عرض الكتاب بعض النماذج التطبيقية للمحكمات عند فقهاء الإسلام؛ ومنها ما يلي:

أولًا: حفظ الدين؛ عن طريق إقامة أركان الإسلام، وهي الشهادتان، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً، وعلى ذلك بُنِيَ باب العبادات في الفقه الإسلامي، وكذا تحريم الإشراك بالله فإنه بُنِيَ عليه عند الفقهاء كتاب الردة.

ثانيًا: وجوب حفظ العِرْض؛ وذلك بحفظ الأسرة والأمر ببِرّ الوالدين والوصية بهما خاصةً عند الكبر والضعف. وحِفظ العِرْض من أهم مقاصد الشريعة وذلك ببيان الأحكام في كتاب النكاح، ومن مقاصده تكوين الأسرة، وتكثير النسل، وقضاء الوطر وإيجاد السكينة والمودة، ولهذا وردت النصوص الشرعية بحماية الأسرة كما في كتاب الحدود، كحد الزنا، واللواط، وحد القذف وما يتعلق بذلك. ومتى وُجدت هذه الأسرة وتحقق مقصد الشارع الكريم منها؛ فإن المجتمع يقوم بنيانه عليها وتتحقق مصالحه بها، وذلك بتطبيق الأحكام التي شرعها الشارع الحكيم.

ثالثًا: وجوب حفظ النفس وتحريم قتلها، وتحقيق مقصد إحيائها ببيان ما أحل الشارع لها من الطيبات وبيان السُّبل المؤدية لها، والإنكار على مَن حرم هذه الطيبات. كما أن الشارع الحكيم أحل أكل الميتة عند خوف فوات النفس، وكذا شرع القصاص في النفس والأطراف محافظةً عليها، وعلى ذلك بُنِيَ كتاب الجنايات في الفقه الإسلامي.

رابعًا: حفظ العقل بوجوب حفظ السمع والبصر والفؤاد، وهي مقتضى حفظ العقل، ومن الأوامر الشرعية التطبيقية في حفظ العقل: تحريم الخمر وسائر المسكرات والمخدرات مهما تعددت أسماؤها وأشكالها ما بين مطعوم ومشروب أو مشموم..، وإيجاب العقوبة على تعاطيها، والتجارة فيها، وذلك ما بيَّنه الفقهاء في كتاب الجنايات وبيان حدّ المُسْكِر.

خامسًا: حفظ المال، كما هو مبين في كتاب البيوع وما يلحق به من عقود ووجوب أداء الحقوق والأمانات والوزن بالقسط والوفاء بالعقود والعهود والشروط المعتبرة وكفل حمايته، وكذلك تحريم العقود الفاسدة ومنها الربا، وكذا حفظه بتشريع حد السرقة وحد قُطّاع الطرق، كل ذلك من حفظ المال.

قال المؤلف –حفظه الله-: «ومن تتبَّع أصول الأبواب في مذاهب الفقه الإسلامي عَلِمَ عِلْم اليقين أن أبواب الفقه قامت على تلك المحكمات البينات الواضحات، بل هي معاقد الإجماع وأصول الشريعة وثوابت الملة.. ومن هنا نعلم أهمية تنويه القرآن بالمحكمات في سورة آل عمران، وأنها العلاج الوحيد للمتشابهات التي وقعت فيها البشرية، وإذا كان هذا هو الحل الوحيد لمشكلة البشرية وانحرافاتها ومتشبهاتها؛ فكذلك هو الحل الوحيد لانحرافات المسلمين.

 

حاجة البشرية إلى المحكمات

إن الخرافة ضربت بأطنابها في العالم الإسلامي وانتشر الشرك في عبادة الله، وصُرفت العبادة والنُّسك لغير الله، ومن ذلك الدعاء والنذر والتضرع، كما شرع دعاة المذاهب الفكرية من علمانية وغيرها شرائع تنازع حق الله في التشريع، وتشرع من دونه وتحلّ الحرام وتحرّم الحلال، وتدعو إلى معارضته حاكمية الشريعة الإسلامية، ولا علاج لهذه المشكلة إلا بالالتزام بالمحكمين السابقين:

الأول: توحيد الله في عبادته وترك الشرك.

الثاني: توحيد الله في طاعته (اتباع الرسول).

وترك الشرك في عبادته، وترك الشرك في حكمه هو أساس القبول، ولا سبيل للإصلاح في الأرض إلا بتحقيق عمومية الرسالة الخاتمة التي أرادها الله للبشرية، وأقام بها الحجة على البشر، ولا تحقيق لهذه الرسالة في واقع البشرية إلا بتحقيق هذين المحكمين الأساسين. ومن هنا تظهر حاجة البشرية للمحكمات.

ونؤكد هنا على ما أكده واهتم به المجددون في الإسلام من أن معالجة الانحرافات الكبرى لا يمكن أن تكون عن طريق معالجة الانحرافات الجزئية، وتقديم الحلول الفرعية لها، وإنما الحل يكمن في معالجتها بأصول العلم التي سماها القرآن المحكمات، وهي المرجع والأصل والجامع والمعظم.

وإذا كانت المحكمات هي معظم الكتاب وأصله وجوامعه، وهي العاصمة للبشر من الفتن التي وقعوا فيها بسبب انحرافاتهم.. وهي الطريق الوحيد لإصلاح البشرية، كما أنها سببٌ مُهِمّ في تشخيص مشاكل البشرية الأساسية. ومن أراد الإصلاح الحقيقي قلا بد أن يحدد المشكلة الأساسية ثم يطلب العلاج لها.

 ومما يؤكد حاجة البشر للمحكمات أيضًا أنها تُذكّرها بفطرتها الأصلية ففطرة الله التي فطر الناس عليها هو التوحيد والاعتقاد الصحيح، وهذا هو العلاج الوحيد للخرافة والشرك والسحر والشعوذة والعقائد الفاسدة.

كما أن من فطرة الله التي فطر الناس عليها كراهية الظلم والبغي والفواحش، وقد جاء تحريم ذلك كله في الدين القيم، والدين القيّم قد حافظ على مكونات الفطرة البشرية السوية.. ومما يؤكد حاجة البشرية أيضًا، والمسلمين خاصةً لهذا الموضوع، أن دعاة الضلالة المنتسبين للإسلام جهدوا في تغيير المسميات الشرعية، والعقائد الصحيحة، وأصول الأحكام، وحاول العلمانيون وغيرهم تغيير ثوابت الشريعة باسم العلم والتأويل الفاسد والمتغيرات والمصالح، ولا يقف في وجه هؤلاء المبدلين إلا المحكمات؛ لأنها ترد على متشبهاتهم وضلالهم».

ومن الأسباب المهمة لتدارس هذا الموضوع هو تقديم الإسلام للناس بعيدًا عن الغموض والجدال المذموم والفلسفة والتعقيد والخلاف المذموم، حتى يتسنَّى للناس من خلال المحكمات فهم الإسلام بوضوحه وبساطته وسهولته ويسره فيتحقق لهم الاعتقاد الصحيح في الأركان والأصول، وينتشر الإسلام في العالم من خلال ذلك بعيدًا عن تراث الفلاسفة والفرق، وإذا كانت حاجة البشرية للحوار ما زالت قائمة فإن خير موضوع يطلبه الحوار والتفاهم هو حفظ الضروريات للعالم، مجتمعًا وأفرادًا. وكذلك ما زالت الحاجة قائمة إلى تعاون بين المسلمين أنفسهم -علمائهم ودعاتهم ومصلحيهم ومثقفيهم وعامتهم وخاصتهم-، وخير ما يكون عليه التعاون والنصرة هو تلك المحكمات، فيتعاون العلماء والدعاة والمربون في جميع مجالات الإصلاح والتعليم والدعوة.

 

أوصاف المحكمات والأدلة على ذلك

وأشار المؤلف إلى خصائص المحكمات فقال:

1- كونها بينات وهذا مأخوذ من وصفها بأنها عماد وأصل وأساس، والإحكام من معانيه الإتقان والوضوح، فهي أصل وأساس يُرد إليها عند الاشتباه، ولا يُرد إلا إلى الواضح البيِّن؛ { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ } [آل عمران: 7]؛ فالراسخون يردون محل الاشتباه إلى المحكمات لأنها أصل وأساس يرفع الاشتباه، ولا يرفع الاشتباه إلا البينات.

2- كونها معظم الكتاب؛ فإن من معاني { أُمُّ الْكِتَابِ } أي معظمه.

3- كونها أصلاً وأساسًا والدليل على ذلك أن المحكمات وُصفت في الآية بأنها { أُمُّ الْكِتَابِ }؛ أي أصله وعماده، كما ذكر

ابن جرير وغيره، وأم كل شيء أصله وأساسه.

4- كونها حجة تدفع الخصوم وأهل الزيغ، وهذا الوصف مأخوذ من الآية نفسها؛ لأن أهل الزيغ والفتنة إنما فتنوا

وزاغوا لما تركوا المحكمات وهي حجة عليهم تكشف باطلهم وتدحضه، وكذلك صنع علماء السنة؛ حيث احتجوا

عليهم بالمحكمات.

5- كونها عاصمة من الضلالة، وهذا الوصف مأخوذ من الآية؛ لأن الراسخين في العلم لما علموا بها وردوا إليها

المتشابهات عصمهم الله من الضلالة، وأهل الزيغ لما أعرضوا عنها لم يُعصموا من الضلالة.

6- كونها محفوظة غير منسوخة، وقد سبق ذكر كلام الأصوليين فإذا أطلقوا القول: بأن النص محكم، فإن ذلك يفيد أنه محفوظ غير منسوخ.

 

أمثلة تطبيقية لأوصاف المحكمات

ولتوضيح أوصاف المحكمات على ما ورد في آيات سورتي الأنعام والإسراء التي اختارها ابن عباس رضي الله عنهما نضرب الأمثلة التالية:

1- الوصف الأول: كون المحكمات بينات واضحات يسع كل مكلف فهمها وإدراكها والعمل بها ونختار مثالين:

المثال الأول: الأمر بعبادة الله وحده وتحريم الشرك : فإن المكلف العاقل إذا سمع كلام الله أدرك ما معنى عبادة الله وحده، بحيث يعلم أن عبادة الله تكون بالخضوع له ظاهراً وباطناً، فالله وحده هو إلهه الذي يخافه ويسجد له ويتعبد له بالصلاة والزكاة والحج..، ولا يصرف شيئًا من هذه العبادة لغيره، فلا يسجد لغير الله، ولا يصوم ولا يحج لغيره، ولا يطوف بغير بيته، ولا يدعو غيره، ولا يذبح إلا لله، ولا ينذر إلا له، ولا يستغيث إلا به، ولا يحب إلا فيه، ولا يوالي أعداءه، ولا يتحاكم إلا إلى شريعته.

المثال الثاني: تحريم الفواحش ومنها الزنا: فإن هذا المذكور في الآيات بيّن واضح لا التباس فيه على أحد، والمكلف العاقل يدرك معنى تحريم الزنا وكذا سائر الفواحش، ويعلم أن هذه الفواحش ممقوتة عند الله سبحانه، وأنها فساد في الأرض، فيجتنبها ويمقتها ويَحذّرُ منها، وكذلك يقبل ما جاء من آيات الله في تحريم الربا والظلم والبغي بغير الحق، ويقبل أيضاً الواجبات المعلومات من النصوص الشرعية.

2- الوصف الثاني: كون المحكمات أصلاً وأساسًا لغيرها وهي معظم الكتاب. وبيان ذلك: أن المحكمات هي معظم الشريعة -كما قال أهل العلم في تفسير الآيات من سورة آل عمران- ونختار في هذا الموضع مثالاً فقهياً لنبين من خلاله كيف تكون المحكمات أصلاً وأساساً.

الوصف الثالث: كونها تعصم المكلف من الفتنة والزيغ وبيان ذلك: أن المكلف تشتبه عليه أمور إما بسبب قصور فهمه وإما بسبب شبهة يدخلها عليه غيره، وفي كلا الحالين يحمله ذلك التقصير وتلك الشبهة على مخالفة أمر الله -سبحانه وتعالى-، فالمخرج له من ذلك أن يعتصم بطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يدفع ما ورد عليه من الاشتباه بالاعتصام بتلك المحكمات، فيسلم حينئذ من الافتتان بالشبه، ويثبت على الطاعة ولا يزيغ قلبه عنها. والفتنة كما ورد تفسيرها هي الشرك، ويدخل فيها جميع الأهواء.

4- الوصف الرابع: كونها حجة قوية في مخاصمة أهل الباطل. وبيان ذلك: أن أهل الباطل يتبعون المتشابهات ويحتجون بها على باطلهم كما صنع الزنادقة والحلولية والمشركون والنصارى والذين يستحلون المحرمات، وقد قام عليهم علماء السنة، وكشفوا باطلهم وأقاموا عليهم الحجة التي لا يستطيع أحد أن يضعّفها، وقاعدة علماء السنة الاحتجاج بالمحكمات

 

حوارات في قصص الأنبياء

انتشرت حوارات الأنبياء عليهم السلام في القرآن، واحتوى عليها القصص القرآني الذي تضمن دعوة الرسل عليهم السلام لأقوامهم ومحاورتهم في القضايا الرئيسية التي ما زالت البشرية حتى اليوم تجادل فيها؛ ألا وهي قضية التوحيد والعبادة، والسؤال عن الدين الحق، وبيان دين الإسلام الذي دعا إليه الرسل جميعًا، وطاعة الله في شرعه وحكمه، والإيمان بالبعث والحساب والغيب، وهي أركان الإسلام، وأركان الإيمان، وأصول الأحكام في الواجبات والمحرمات وتحذير البشرية من الكفر والشرك والخرافة والفساد في الأرض، وتحريم الفواحش والظلم والبغي والقول على الله بغير علم.

وهذه أمثلة للمحكمات وليس للحصر تنبئ عن أهمية دراسة قصص الأنبياء -عليهم السلام- للاستفادة من منهج القرآن في عرضه وتكراره في سور كثيرة ومواضع كثيرة، بل في سور خاصة كسورة يوسف والقصص وإبراهيم -عليهم السلام-، ومريم -عليها السلام-. وأورد المؤلف بعض النماذج حول أهم القضايا التي تحتاجها البشرية اليوم للتعرف على أقرب الطرق لهداية البشر بالأسلوب القرآني الأمثل والموعظة الحسنة والوضوح وحسن الدلالة والبداية بالأهم فالأهم.

 

حوارات الثقافات حول المحكمات

ذكر المؤلف نماذج تاريخية للحوار بين علماء الإسلام وغيرهم من الأمم الأخرى نوردها كما جاءت في النصوص التاريخية قاصدين بذلك تأكيد أهمية المحكمات في إصلاح البشرية، ودورها في نجاح الحوار، بعيدا عن الانشغال بالجدل حول المسائل التفصيلية أو الاجتهادية.

كما قصد المؤلف من وراء ذلك إطلاع القارئ وتذكير المتخصص بأهمية هذه المحكمات في التأثير على المحاورين، ورفع مستوى المضامين التي احتوت عليها تلك الحوارات. وأضاف: "ولست بحاجة إلى التنويه بتلك المحكمات التي تضمنتها تلك الحوارات، فأظن أن القارئ قد استوعب تلك الأمثلة للمحكمات بحيث إذا تأمل ما نورده من قصص وحوارات يستطيع أن يحدد تلك المحكمات التي اشتمل عليها ذلك الحوار. ويكفينا ما ذكرناه سابقاً من قصص الأنبياء عليهم السلام وحوارهم لمخالفيهم حتى نعلم أثر المحكمات في هداية البشر، وتميّز القرآن في عرضها بالحكمة والموعظة الحسنة".

 

أثر المحكمات في حفظ المجتمع

لا شك أن المحكمات هي أساس الشريعة، ومعظم الكتاب، وبها تتحقق مصالح المسلمين ويُحفظ مجتمعهم، وذلك لأن الشارع قصد بالتشريع إقامة المصالح الأخروية والدنيوية.. والمجتمع كما هو معلوم يتكون من أفراد، ومن مقاصدهم: حفظ دينهم ونفوسهم وأعراضهم وعقولهم وأموالهم، وقد جاءت الشريعة الإسلامية بحفظ هذه المقاصد، وتحقيق مصالح المكلفين فلا غرابة أن تحيط هذه المقاصد بالفرد والمجتمع من كل جانب، لا فرق بين حالة الفرد المادية، ولا منزلته العلمية، وكذلك لا فرق بين حالة المجتمع الرعوية أو الزراعية أو الصناعية، ولذا فالمحكمات يعلمها العامة كما يعلمها الخاصة، والواجب على الجميع المحافظة على إقامة الدين والحذر من التفرُّق فيه بسبب أهواء المشركين والضالين.

ويترتب على حفظ هذه المقاصد كما هو معلوم كفّ الفرد والمجتمع عن الفساد في الأرض، وتمييز هذه الأمة بمنهجها الرباني، الذي يحرم الشرك والردة، ويحرم ترك الصلاة والزكاة والصيام والحج لمن قدر عليه، وكذا تحريم الاعتداء على النفوس والأعراض والعقول، ومنع استحلال المحرمات، ورفض الأفكار الهدامة وردّ البدع والضلالات وجميع الأهواء والعقائد والملل والمذاهب المنحرفة التي تنتجها البشرية.

 

المحكمات وأثرها في وحدة الأمة

إن بيان منزلة المحكمات في الشريعة يكشف لنا عن أثرها العظيم في تحقيق وحدة المسلمين. وبيَّن المؤلف منزلتها من خلال تلك الأوصاف التي وصفها بها أهل العلم، ومن تلك الأوصاف قولهم: إن المحكمات هي أصل الدين، وهي عماد الإسلام، والمقصود أن الشريعة تقوم على تلك المحكمات، وكلام المفسرين هذا يماثله كلام الأصوليين من أن الشريعة تقوم على حفظ الضروريات الخمس؛ فالنصوص المحكمة الواردة في حفظ الضروريات عليها مدار الشريعة، ومحفوظة في جميع الرسالات.

وهي كذلك أساس متين لوحدة المجتمع صغيراً كان أم كبيراً، كما أنها جامعة للمسلمين في كل زمان ومكان على اختلاف ألوانهم وأجناسهم إذا صدقوا في العمل بها واتباعها، وبها قوام المجتمع الإسلامي، ولهذا ربط الله بها الفلاح والصلاح وحذر المسلمين من التفرق عنها من بعد ما جاءهم العلم .

ولا شك أن المحكمات البينات هي الأصل والعماد الذي بُنيت عليها مقاصد الشرائع الإسلامية التي أنزلها الله سبحانه على أنبيائه عليهم السلام، وعليها اجتمعت الكتب المنزلة، فإذا كانت هذه المحكمات هي أساس الوحدة بين الأنبياء وأتباعهم من المسلمين فهي كذلك الأساس الذي تقوم عليه الوحدة الإسلامية بين المسلمين في هذا العصر.

 وذكر المؤلف أن القرآن الكريم تضمن الأسس المشتركة بين الشرائع الإسلامية السابقة ونوه بها وهو عندنا مصدر أساسي ثابت.  واستشهد بقول رسول الله عليه الصلاة والسلام في خطبة حجة الوداع «ألا كل أمر الجاهلية موضوع تحت قدمي»؛ وهو عام في تحريم أمر الجاهلية من العصبيات والنعرات والتفاخر بالآباء، والشعوبية والقوميات وسائر المذاهب الهدامة من الخرافة، وسنؤكد هذا المعنى الذي هو تطبيق لبيان المحكمات وأثر العمل والالتزام بها في بناء وحدة الأمة بهذه الآيات الواردة في عدة سياقات قرآنية تؤكد على الاجتماع والاعتصام بالمحكمات وتبين أنها سبيل القوة والفلاح

وأكَّد المؤلف أن الوحدة لا تتحقق إلا باجتماع على الكتاب السنة، وترك تشريع المحدثات والبدع، ولزوم الصراط الذي دعا الله سبحانه إليه وهو الصراط المستقيم ولا نتصور أن يتحد المسلمون إذا كان دستورهم الكتاب والسنة ولن يعتصموا بحبل الله وشريعته إلا بتحديد المرجعية الوحيدة وهي الاجتماع على الكتاب والاجتماع على السنة، ولهذا تميّز أهل السنة بهذا الوصف وهو الاعتصام بالمحكمات والحذر من المتشابهات.

من هنا يتبين أثر المحكمات ودورها الكبير في وحدة الأمة المسلمة؛ وإن التأمل في منزلة المحكمات في الشريعة يكشف عن أثرها العظيم في تحقيق وحدة المسلمين؛ لأنها أصل الدين، وعماد الإسلام، الذي تقوم الشريعة عليه، وكلام المفسرين والأصوليين يؤكد دائمًا أن الشريعة تقوم على حفظ الضروريات الخمس التي تسهم في صيانة وتحقيق وحدة الأمة، ولذا فالنصوص المحكمة الواردة في حفظ الضروريات عليها مدار الشريعة، وهي محفوظة في جميع الرسالات السماوية التي جاءت لصيانة المجتمعات ووحدتها.

 

أثر المحكمات في الأمة وتوجيهها للعامة والخاصة

إن المحكمات الشرعية هي أساسيات الشريعة التي لا يسع المسلم جهلها، ولذا فهي علم العامة وهي الموجّهة لمقاصد العلوم عند الخاصة. فأما أثرها على العامة فمن حيث إنها ثوابت في العقيدة والشريعة توجّه حياتهم في شمولية ويُسْر.  وأما أثرها على الخاصة -أي العلماء والمفكرين والباحثين في جميع التخصصات، وكذلك القادة والأعيان- فمن ناحيتين؛ العلم والعمل؛ لأن المحكمات هي الثوابت التي يجب أن تؤثر في سلوك أولئك الأفراد بمختلف مراتبهم، وهي التي توجّه فكرهم، وتُؤسّس معتقدهم.

وهؤلاء جميعًا لهم الأثر الواضح في توجيه المجتمع، والارتباط بينهم وثيق كما دل على ذلك نصوص في الكتاب والسنة؛ حيث أمر الله المؤمنين جميعًا أن يدخلوا في السلم كافة، والسلم هو الإسلام، وقد جعل الشارع المحكمات أساس الدين، وألزم العلماء والمفكرين والباحثين في جميع تخصصاتهم بها، وحذّرهم أن يخالفوها ويتبعوا خطوات الشيطان، وإذا كانت هذه القاعدة الراسخة قاعدة أساسية في الشريعة المباركة؛ فإن الحثّ على الاجتهاد في العلوم المادية –المنضبط بهذه القاعدة– في جميع أنواع التخصصات التي يحتاجها المسلمون هو مجال الإبداع والانطلاق إلى جميع آفاق العلوم النافعة لبناء الحضارة الإسلامية. كما أن الاجتهاد في استنباط الأحكام الشرعية للمستجدات والحوادث هو مجال علماء الشريعة.

ولهذا فإن المحكمات عندنا أهل الإسلام هي التي توجّه الفكر والعلم –في مجال إبداعه البشري– ربانية المصدر شرعها الله -سبحانه- لحفظ الفرد والمجتمع في عقيدته وعباداته ومعاملاته وأخلاقه، وتوجه جميع طاقاته التي أنعم الله بها عليه، والموجّه –لمجال الاجتهاد والإبداع– عند الأمم الأخرى تصوّرات بشرية، شرعها البشر أنفسهم؛ ولذلك اتجهوا بالبشرية إلى الإباحية والشرك، والخرافة والضياع والشقاء، والمجتمعات الغربية –على سبيل المثال– تشكو من ذلك كله، ولا مخرج لها إلا باتباع ما شرعه الله -سبحانه- وأمر عباده بالعمل به والاستقامة عليه.

إن الحقيقة الساطعة هي أن المحكمات هي أُمّ الكتاب؛ أي أصله وأكثره، ولهذا سمى الرسول -صلى الله عليه وسلم- سورة الفاتحة أُمّ القرآن، وإنما  كانت كذلك لأنها تضمَّنت الإشارة المعجزة لما ورد في القرآن، ففيها ذِكْر التوحيد بأنواعه، واليوم الآخر، والأمر بالعبادة، وبيان كونها الصراط المستقيم. ثم إن فيها توجيهًا للطاقة البشرية إلى الطريق المستقيم، ومتابعة أهله الذين أنعم الله عليهم وتجنُّب طرق أهل الغواية والضلال والعناد.

 

خاتمة تلخيصية لأبرز نتائج الكتاب:

ذكر المؤلف في آخر كتابه خاتمة تلخيصية تعرض للنتائج التي توصل إليها، وهي:

1- إن تعريف «المحكمات» الجامع لخصائصها هو: «ما كانت أصلًا بنفسها مستغنيةً عن غيرها لا تحتاج إلى بيان».

2- إن خصائص المحكمات هي كونها محفوظة وبيّنات، وأصولًا وأُسسًا تعصم المكلّف، ومرجعًا يرجع إليها عند الاشتباه، وحجَّة على المخالفين.

3- إن «المحكمات» هي معظم الشريعة، وتحيط بالفرد والمجتمع من جميع جوانبه، وبالعمل بها وتطبيقها يُحفظ المجتمع، وتتحقق فيه مقاصد الشريعة.

4- إن «المحكمات» هي عِلْم العامة وموجِّهات العلوم عند الخاصة؛ فالواجب على المجتمع العلم والعمل بها لتحقيق مقاصد الشريعة في المجتمع.

5- إن «المحكمات» هي الأصل والأساس لوحدة الأمة، وهي العاصم من الاختلاف والفُرْقَة، فالواجب على الدعاة والمصلحين والمربين أن يجعلوها قاعدة للدعوة والتربية.

6- إن «المحكمات» هي الأساس لنصرة الحق ودفع الباطل، والاحتجاج على الخصوم، ورفع الاشتباه الذي يرد على المكلفين، وهي منطلق للدعوة الإسلامية في العالم وأساس الحوار في القرآن والسنة.

7- الواجب على المصلحين التعاون على نشر المحكمات والحذر من جميع «الأساليب» التي تخالفها، أو تدخل اللبس على العامة؛ لأن ذلك يؤدي إلى لبس الحق بالباطل، وفتنة الناس عن الحق، وذلك مُنافٍ لمقاصد الشريعة الإسلامية في حفظ المجتمع وفي تحقيق وحدة الأمة، كما هو منافٍ لبلوغ الدعوة الإسلامية للعالم بيضاء نقية.

 

وبعدُ؛ فهذا جهدٌ يسير في تلخيص أبرز ما ورد في الكتاب من قضايا وأفكار ومحاور، وهذا التلخيص لا يُغْنِي عن مُطالَعة الكتاب الأصلي؛ فقد حوى ثراءً معرفيًّا مع جودة في العرض، ودقة في التصورات، والتزام تامّ بمنهج أهل السنة والجماعة في الفكر والسلوك والتمسك بأصول الشريعة. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ونبيه ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



[1]- باحث شرعي ومدقق لغوي: Omarez1973@hotmail.com


المرفقات

  • {{__('blog.Noattachements')}

Comments

Leave a comment

Blog categories

عربة التسوق

Loading...